جلد الذات


بقلم ✍️ د. عبدالرحمن موسى 
24/06/2024              

في صناعة الأفلام دائماً يجتهد صناع الأفلام للوصول إلى حالة من الإتقان في صنع الحبكة الدراميةباعتبارها الأساس الأهم لنجاح العمل الدرامي.

 ومن هذه الأفلام فيلم الرعب الأمريكي (smile - أو ابتسامة) للمخرج (باركر فين) 
والحقيقة لستُ من نُقّاد السينما وربما لم أشاهد في حياتي إلا بعض الأفلام التي تُعدُّ على الأصابع وأغلبها أفلام أجنبية.
لكن ما شدّ انتباهي في هذا الفيلم أنه أستطاع إيصال مساوئ الأسرار النفسية المدفونة في ابتسامة شريرة ومشاعر أسيرة وتعابير خطيرة مما أسرى في الجسد قشعريرة.
 
 كما انه قدّم رؤية عن الحالة النفسية فيمن حولنا من أشخاص وما كابدوه من صدمات في مراحل أعمارهم مما نتج عنه سلبيات جسام ومصائب عظام 
كما حدث في الفيلم مع الدكتورة النفسية (روز كوتر) ومريضتها النفسية حيث انتحرت أمها أمامها.
مما أصابها باكتئاب شديد، وبرؤى شديدة التعاسة أودى ذلك إلى ردّاتها الانعكاسية الغارقة بالخوف المسبب للمزيد من الرعب بقوة قد لا يمكن التحكم بها، 
مما يجعلنا ننتبه لمثل هذه الحالات ونتداركها مبكرا لنعالجها.

حيث أن الحالة النفسية المأساوية تفضي إلى محاولات الإنتحار 
والانتحار هو : انفجار نفسي مباغت غير متوقع يحدث فجأة عند من يدفنون صدماتهم في أنفسهم دون عدم وجود من يعينوهم أويقوموهم ويساعدوهم إلى أن تنقطع شعرة معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه الذي سألوه يوماً كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟
فقال (إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، وجهل أكبر من حلمي، وعورة لا أواريها بستري، وإساءة أكثر من إحساني)
و (إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها)
وما احوجنا جميعاً إلى عدم التغاضى عن فكرة أننا بشر غير معصومين من الخطأ والوقوع في شباكه، وتعقيدات شراكه.
وذلك في ظل تلاطم هذه الأمواج، والهموم التي تأتي كالأفواج، والأفكار التي يملاها الازدواج ، والتفسيرات التي يكسوها الاعوجاج .
وفي ظل المحيطات المضطربة والنفوس المنتنة والعيون الملتهبة والأحقاد الدفينة واعتياد الغيبة والنميمة.

كما أن لوم النفس وجلدها وتأنيبها بصورة دائمة من أكبر الآفات، وهو ليس الحل لمجاراة ما يقترفه المرء من سلوكيات، أو معالجة الأوجاع النفسية والآهات.  
بل هو فرصةٌ كبرى للضياع والشتات إن لم يعجّل العليل بمعالجة العلّات والوقوف أمامها بحكمة وثبات، دون انهزامِ وتخبطِ وانفلات . 

بل يجب عليه أن يبني ثقته بنفسه فهي اللبنة الأساسية التي تلعب دوراً مهماً في التقليل من جلد الذات، وتجعله قادرا على التأقلم داخل المجتمعات، وأن يتكيّف مع الأحداث الجاريات، وألا يتخبّط من صدى الأصوات القارِعات، وألا يُجرح من خذلان السُيوفٌ اللامِعات، والبكاء على مآسي الأحداث الفاجِعات، وأنينُ العيونٍ الدامعات، مما يضطره إلى الرغبة في الابتعاد عن النفوس الطامِعات.

ولذلك إذا أراد العليل ان يخطو أولى خطوات التعافي من علّته أن يخلع عنه أسمال الضحية ونحيب المظلومية و يتوقف عن التذمر و اللوم و لعن الظروف العكسية، ويصبح قادراً على ردع مخاوفه وتقويم أخطائه دون التحقير من نفسه وجلد ذاته بل المُضي نحو حب الذات واحترامها وتقديرها.
 
وألا يتقمّص قصص الدراما و ما يلفها من مشاعر الحزن و التشاؤم و الخوف و الكراهية و الندم و جلد الذات و الحرمان ... فاسحا المجال لمساحة أرحب من السلام و الطمأنينة و الحب و الفرح
و الرضا و التفاؤل .
وان تعامل نفسك كما تعامل صديقًا عزيزًا عليك إن جاءك يحدثك عن خطأ اقترفه فاللوم لا يفيد ما دام الخطأ قد وقع فأفضل ما يمكنك فعله هو إصلاحه -إذا أمكن- ومعرفة سبب الخطأ والعمل على عدم تكرار هذا في المستقبل.
ومصاحبة من يظهر فيك وعليك ومنك الأشياء الجميلة، ويجعلك أهدأ بالًا لا يفهم كلماتك بمعنى سيئ و يمنحك دعمه و ثقته الكاملة.

‏أدامَ الله عليكم دفء العائلة وقرب الأحبّة وتتابع المسرّات والأعمار التي تحفها الخيرات والبركات.
أحدث أقدم