الدكروري يكتب عن همة ابن أبي حاتم في طلب الحديث


بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين وكان من بينهم الإمام ابن أبو حاتم الرازي، وقيل أنه كان الإمام أبي حاتم لدية همة عالية في طلب الحديث، حيث كان من نتائجها حفظ السنة النبوية، ومعرفة أحوال رواتها، وكان أبو حاتم خبيرا بأحوال آلاف من رجال الحديث ومروياتهم وشيوخهم وطلابهم وأولادهم، يعرفهم أكثر مما يعرف الرجل أفراد أسرته، ومن طالع ما نقل عنه في الحديث وفي رواته تبين له ذلك، فسبحان من سخره لهذه المهمة الشاقة، وسبحان من هداه لهذا العلم الشريف، فأمضى حياته فيه متعلما ومعلما، وكبر الشاب الجاد في طلب العلم، وصار إماما في الحديث ومعرفة رواته، يرحل إليه طلاب العلم من مختلف الأمصار.
ليتلقوا عنه ما جمع في رحلاته وهو شاب، ولم تفتر همته بكبر سنه، بل كان يقضي وقته كله في بذل العلم كما كان في شبابه يقضي وقته كله في طلبه وجمعه، وورّث هذه الهمة العالية في طلب العلم لابنه عبد الرحمن الذي لازمه ملازمة شديدة، وعاش الإمام أبو حاتم حتى جاوز الثمانين، وهو يعلم الناس سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وختمت حياته وهو يعلم العلم في قصة مؤثرة حكاها ابنه فقال حضرت أبي رحمه الله تعالى وكان في النزع، أي الموت، وأنا لا أعلم، فسألته عن عقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم له صحبة؟ فقال برأسه لا، فلم اقنع منه، فقلت فهمت عني له صحبة؟ قال هو تابعي، قال ابنه فكان سيد عمله معرفة الحديث وناقلة الآثار فكان في عمره يقتبس منه ذلك.
فأراد الله أن يظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته، وإن سير حفاظ السنة النبوية وأخبارهم، وما أبلوا فيه شبابهم من طلب العلم والرحلة في تحصيله، وتحمل مشقة السفر والسهر والجوع والعطش والفقر، وصبرهم على ذلك لنماذج يجب أن تدرس للشباب المسلم ليفاخروا بدينهم الذي حفظه الله تعالى بهمم أسلافهم وليقتدوا بأولئك العظماء من علماء الحديث الذين علت هممهم في شبابهم، فتعبت في تحصيل العلم وجمع الحديث وطرقه أجسادهم، فخلفوا لنا تراثا لا مثيل له عند أمة أخرى، فيقول تعالي في سورة الأنعام ” أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده” وإن علم الرواية في الإسلام من أدق العلوم وأشقها، وأفنى فيه رجال أعمارهم ليحفظوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي جهلة لا يحسنون الوضوء.
ولا يتقنون الفاتحة ليشككوا الناس في السنة النبوية، وهم من أجهل الناس بالعلوم والمعارف، وإلا فإن أعداء الإسلام من المستشرقين الذين درسوا علم الرواية والحديث لينقدوه بُهروا بما فيه من الدقة والضبط والإتقان، حتى قال مستشرق إنجليزي “ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم” وقال مستشرق آخر ألماني “إن الدنيا لم تري ولن ترى أمة مثل المسلمين، فقد دُرس بفضل علم الرجال الذي أوجدوه حياة نصف مليون رجل” والنقل في ذلك يطول، وليبقي أهل الجهل في جهلهم، وقد روى عن كثير من شيوخ تلك الحواضر، فقال أبو حاتم اللبان الحافظ “قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي، فبلغوا قريبا من ثلاثة آلاف” وقال أحمد بن سلمة النيسابوري “ما رأيت بعد إسحاق ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من أبي حاتم الرازي، ولا أعلم بمعانيه”