اخبار الفن والمشاهير

في يوم ميلاده ال 83 : عادل إمام .. ظالم أم مظلوم ؟! ..

الأعلامي يوحنا عزمي

بقلم : يوحنا عزمي

أعتقد أنه لم يكن هناك شخصية فنية مثيرة للجدل أكثر من عادل إمام .. لعل ذلك راجع إلى كثرة أعماله وأدواره الكوميدية الممزوجة بالطابع السياسي .. أو ربما لأنه كان جريئا أكثر من اللزوم عندما كان يتناول قضايا إجتماعية أو دينية يكون فيها الخلاف كبيراً بين أطياف المجتمع ..

المثقفون انقسموا قسمين عند تقييمه كفنان .. نصفهم رأي أنه
لا أحد من الفنانين خرب الشخصية المصرية وأشاع الفوضى
في المجتمع أكثر من عادل إمام ..

النصف الثاني يري أنه لا أحد أكثر من عادل إمام خدم ودعم فكرة الوطن في أعمال فنية كثيرة .. أما الأوساط الشعبية والعرب عموما فلم يتفقوا حول فنان مثلما اتفقوا وتوحدوا حول هذا الفنان ..

لكن هل يوجد مقياس يمكن أن نستخدمه عندما نريد أن نقيم فنانا بعينه عن مجمل عطائه الفني ؟ .. طبعا يوجد .. هو معرفة محصلة أعماله وبها نستطيع بسهولة أن نعرف قدر وقيمة الفنان.

عادل إمام تخطى ال 83 سنة ولم تغب عنه شمس النجومية أبداً لماذا ؟ .. لأنه ببساطة مبدع حقيقي وأيضا فنان صاحب قضية يتعرض الآن لكثير من الانتقادات الحادة من مختلف الاتجاهات لكن أشدها وأكثرها عنفا كانت التي وجهت له من قبل من الجماعات الإسلامية لاعتقادهم أنه كان يسخر من فكرهم ومعتقداتهم خصوصا في أفلامه : طيور الظلام والإرهابي ثم حسن ومرقص مع الفنان عمر الشريف ..

كان يدافع فيه عن الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين ويدعو بطريقة مبطنة إلى إيجاد حالة من التواؤم والسلام الاجتماعي بين أصحاب الديانتين لدرجة أنك لم تكن تستطيع
أن تفرق بين المسلم والمسيحي في الفيلم بسهولة ..

ومع أن هذا الفيلم كان مهما جداً في تلك المرحلة التي شهدت حالات من العنف الطائفي إلا أنه ناله أيضا انتقاد عنيف من مختلف التيارات حتى من البابا شنودة نفسه ..

رفعت ضده قضايا كثيرة تتهمه مرة بازدراء الأديان والسخرية من المقدسات ورجال الدين .. وأخرى للمشاهد التي اعتبرت خادشة للحياء وبها إيحاءات جنسية .. أو انتقاده اللاذع لبعض فئات المجتمع .. لم يتوقف الأمر عند رفع القضايا بل حكم عليه بالسجن فعلا أكثر من مرة .. جرأته في انتقاد النظم السياسية تفوق الوصف ففي الوقت الذي كان تقمص هذا النوع من أدوار البطولة عزيز جدا وشحيح نراه قدم مسرحية ” الزعيم ” التي كانت كلها إسقاطات على الرئيس السابق مبارك ونظامه بشكل واضح وصريح ومعه كل الأنظمة العربية بالطبع ..

ثم انتقاداته المستمرة للأوضاع المجتمعية التي فضحت انتشار الرشوة والمحسوبية وسيطرة المال على الحكم في كل قطاعات الدولة في فيلم ” مرجان أحمد مرجان ” .. وكلنا يتذكر عبارته الشهيرة : هو شرب الشاي بالياسمين .. فالرشوة كانت ولا تزال مرض عضال استشري في أوصال المجتمع كله ..

تجدها عند النائب البرلماني وحتى أستاذ الجامعة وغيرهما
ثم إنهه بفلوسه أيضا يمكن أن يكون أديبا أو شاعراً متفوقا أو
لاعب كرة مشهور حتى ولو كان بكرش وتراه يقلد اللاعب اياه هل يختلف أحد معي أن فيلمه ” السفارة في العمارة ” عمق كراهية المصريين لإسرائيل ؟! .. ألم يكن لعبارته الشهيرة في الفيلم ” يا أنا يالسفارة في قلب العمارة ” صله بهجوم شباب الثورة على السفارة الإسرائيلية واقتلاعها من تلك المنطقة في أحداث ثورة يناير ؟ ..

ولا يغيب عن لبيب أن العمارة لم تكن تعني سوى الوطن ..
أتذكر لقطة عبقرية له لا أنساها أبدا مع الطفل الفسطيني زياد
وهو يودعه في المطار في نفس الفيلم بعد أن طرد من عمله
قال له زياد : يا بختك ياعم لك بلد تروح عليها .. رأيي أن هذه
تغني عن مجلدات كاملة تتغنى في حب الوطن.

لعلكم تشاركونني أن هذا هو الدور الحقيقي للفنان .. تشكيل وجدان الأمة وزيادة الوعي لدى الناس .. من المؤكد أنه لو لم يكن فنانا موهوبا صاحب قضية ورسالة ما كان قد وصل إلى قلوب الناس وأثر في سلوكهم ..

لكن أهم الإنتقادات التي وجهت له أن أفلامه بها اسقاطات جنسية كثيرة .. هذا صحيح .. كان له رأي في هذه المسألة يقول : يجب أن نقدم الشخصية بكل متناقضاتها معا وإلا سيكون الخطاب زاعقا ويفقد معناه ..

مثال : رأينا العاهرة التي تنتفض في وجهه عندما علمت أنه يسكن بجوار السفارة الإسرائيلية .. الشخصة الطبيعية هي التي تحمل الخير والشر الجميل والقبيح معا .. مزيج بين الإثنين.

لكن الذي يجدر ذكره أن الرجل لم يكن عربيدا أو زير نساء ككثير من الفنانين .. فهو أسري محب لأسرته جدا فلم يتزوج على زوجته وأم أبنائه السيدة هالة الشلقاني .. ولم نسمع عنه أنه كان مولعا بمغامرات عاطفية خارج نطاق الأسرة ..

تراه أيضا محبا لكل من يعمل معه .. بل يميل دائما لأن يعمل في جو عائلي يربط كل من يشاركه العمل .. عرف عنه أنه ساعد الكثير من الفنانين الشباب وأشركهم في أعماله وكانت نقطة الانطلاق العظيمة لكثير منهم .. بعض الكبار يحاربون المواهب الشابة.

أعمال عادل إمام الفنية غزيرة جداً ولا أعتقد أن فنانا آخر اقترب من رصيده الفني .. فله 9 مسرحيات أهمها ( مدرسة المشاغبين – شاهد ماشفش حاجة – الواد سيد الشغال – الزعيم ) وغيرها.

كان له مسلسلا إذاعيا واحداً ( أرجوك لا تفهمني بسرعة ) مع الراحل عبد الحليم حافظ .. أما أعماله التليفزيونية فلم تكن كثيرة كذلك نذكر منها ( كيف تخسر مليون جنيه – أحلام الفتى الطائر – دموع في عيون وقحة – فرقة ناجي عطالله – العراف – صاحب السعادة – عوالم خفية – عفاريت عدلي علام ) ثلاثة منها كانت أعمالاً وطنية.

ومع ذلك لم يكن نجما تليفزيونيا أو إذاعيا يعتد به كثيراً على الرغم من تميز أعماله كلها إلا أنه كان نجما سينمائيا فذا .. ولا نغالي إن قلنا أنه نجم السينما الأول في تاريخها كله في مجال الكوميديا ..

فمجموع أفلامه منذ بدايته بفيلم ( أنا وهو وهي سنة 1964 ) بلغ 118 فيلما وهو كم كبير جداً من الأعمال .. إنه بحق يستحق لقب ملك الكوميديا أو الزعيم كما يطلق عليه ..

الخلاصة :

لو لم يكن للكوميديا هدف سوى إضحاك الناس وإدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم لكن سببا كافيا خصوصا في هذه الأيام الصعبة .. الناس في حاجة إلى من يخرجهم من ضغوط الحياة والهموم اليومية .. لكن من العظمة أن يكون العمل الفني محققا
هذا الهدف ويعالج قضية في ذات الوقت .. وهو ما فعله بالضبط ملك الكوميديا النجم الرائع عادل إمام في أعمال كثيرة ..

من فضلك أذكر لي إسم فنان واحد استطاع حمل لواء الكوميديا بعد الريحاني ثم فؤاد المهندس سوى عادل إمام ؟! .. ومن ترشح لخلافه هذا النجم ؟! ..

مقالات ذات صلة