الدكروري يكتب عن أبو الحزم والفتنة في أهل قرطبة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور وهو أحد وزراء الدولة الأموية في الأندلس وأول حكام طائفة قرطبة، وقيل أنه قد دمرت الفتنة التي دامت أكثر من اثنين وعشرين عاما قرطبة بعدما أصبحت ميدان حرب بين القوى المتصارعة على حكم الأندلس من بربر وعبيد صقالبة وعامة قرطبيين، وقد نصبت كل منها أحد الأمويين خليفة كي تحكم الأندلس باسمه، ولكن أهل قرطبة وضعوا حدا لهذه الفتنة بخلع آخر خليفة أموي في الثاني عشر من شهر ذي الحجة لعام ربعمائة واثنثن وعشرين من الهجرة، الموافق التاسع والعشرين من تشرين الثاني لعام ألف وواحد وثلاثين من الميلاد، ورأت مشيخة الجماعة فيها أن أبا الحزم جهور بمؤهلاته ومكانته هو الملائم لحكمها.
فعرضوا عليه الإمرة فقبلها شريطة مشاركة ابني عمه محمد بن عباس وعبد العزيز بن حسن فيها، فوافقوا وخلعوا من دونهم من الرؤساء في المدينة، وقامت بذلك في الأندلس طائفة جديدة حملت اسم المؤسس جهور، وأقام أبو الحزم جهور نظام حكم متميزا عن أنظمة دول الطوائف الأخرى، ولذلك لم يعد حكمه انفصالا عن الخلافة الأندلسية، وعد أبو الحزم نفسه ممسكا بالوضع حيث يجمع الأندلسيون على خليفة، وتدليلا على ذلك لم ينتقل إلى قصور الخلافة ولا صلى في مقصورة الخلفاء بالمسجد، وعلى صعيد الممارسة للسلطة، كان يشاور المشيخة في كل أمر جليل قبل إبرامه، وجعل المال المجبى بيد ثقات الموظفين ينفق منه على الضرورات بمعرفتهم ويحفظ ما تبقى لديهم.
وجعل أبو الحزم لنفسه وللوزراء مبلغا معينا يتقاضونه في كل شهر من بيت المال لا حق لهم في تخطيه، ويقوم هو بالإشراف على عملهم، وقد وفر الأمن داخليا بإخراج عناصر الاضطراب من قرطبة، كالبربر الطارئين ولم يبقي من الجند إلا الأعيان، الذين وجدوا العون عند الضرورة من أهل الأسواق بعدما وزع جهور السلاح عليهم وأمرهم بحفظه في الدكاكين والبيوت ويبدو أن الأمن ساد في المدينة، وقد مال القضاة في عهده إلى اللين كدرء الحدود بالشبهات وتجنب تطبيق عقوبة الإعدام لعدم وجود إمام مجمع عليه وأفلح جهور اقتصاديا في إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران بإجبار التجار على استثمار رؤوس أموالهم، إذ أحصاها عليهم وجعل لهم الحق بأرباحها فحسب.
وأخضعها للتفتيش بين حين وآخر، وأرفق كل ذلك بمسالمة دول الطوائف حوله وهذا ما ساعد في تنشيط حركة التجارة معها وقد ظهرت نتائج هذه السياسة بوضوح في نشاط حركة الإعمار بقرطبة وتحرك الأسعار فيها.