اخر الاخبار

الدكروري يكتب عن وفاة الوزير الفقية ابن هبيرة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن العلماء والفقهاء وكان من بينهم الإمام العادل أبي هبيرة عون الدين أبي المظفر صاحب الوزارة، وقيل أنه كان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا فأعجبه وقال لزوجته أريد أن أزوجه بابنتي، فغضبت الأم من ذلك، وقيل أنه كان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة، فخالف فيها الجمع وأصر، فقال الوزير أحمار أنت، أما ترى الكل يخالفونك ؟ فلما كان من الغد، قال للجماعة إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، قال أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير له حكمه.

فقال الفقيه نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي ؟ قال لا بد، قال علي دين مائة دينار فأعطاه مائتي دينار وقال مائة لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي، وقال ابن الجوزي كان الوزير يتأسف على ما مضى ويندم على ما دخل فيه ولقد قال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين أقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم انظر إلى ما صرت، ثم صار يسأل الله الشهادة، ويتعرض لأسبابها، وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة استيقظ وقت السحر، فقاء، فحضر طبيبه ابن رشادة، فسقاه شيئا، فيقال إنه سمه فمات وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سما، فكان يقول سقيت فسقيت، فمات، ورأيت أنا وقت الفجر.

كأني في دار الوزير وهو جالس، فدخل رجل بيده حربة، فضربه بها فخرج الدم كالفوارة فالتفت فإذا خاتم ذهب، فأخذته، وقلت لمن أعطيه ؟ أنتظر خادما يخرج فأسلمه إليه، فانتبهت فأخبرت من كان معي، فما استتممت الحديث حتى جاء رجل فقال مات الوزير ، فقال رجل هذا محال أنا فارقته في عافية أمس العصر، فنفذوا إلي وقال لي ولده لا بد أن تغسله، فغسلته ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم ورأيت آثارا بجسده ووجهه تدل على أنه مسموم وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر والعدل ورثته الشعراء، وكان من صور تواضعه ما يحكيه صاحب سيرته أبو بكر التيمي مما شاهده بعينه.

في مجالس ابن هبيرة، أن الحاجب أبا الفضائل بن تركان أسرّ للوزير بشيء لم يسمعه أحد، فقال له الوزير أدخل الرجل؟ فأبطأ، فسأله فقال الحاجب إن معه شملة صوف مكورة، وقد قلت له اتركها مع أحد الغلمان خارجا عن الستر وادخل، قال لا أدخل إلا وهي معي، فقال له الوزير دعه يدخل وهي معه، فخرج وعاد، وإذا معه شيخ طوال من أهل السواد، عليه فوطة قطن وثوب خام، وقال للوزير يا سيدي، إن أم فلان يعني أم ولده لما علمت أني متوجه إليك قالت لي بالله سلم على الشيخ يحيى عني، وادفع إليه هذه الشملة، قد خبزتها على اسمه، فتبسم الوزير إليه وأقبل عليه، وقال الهدية لمن حضر، وأمر بحلها فحلت الشملة بين يديه، فإذا فيها خبز شعير، فأخذ الوزير منه رغيفين، وقال هذا نصيبي.

وفرق الباقي على من حضر من صدور الدولة، والسادة الأجلة، وسأله عن حوائجه جميعها، وتقدم بقضائها في الحال، ثم التفت إلى الجماعة، وقال هذا شيخ قد تقدمت صحبتي له قديما، واختبرته في زرع بيتنا فوجدته أمينا، ويعقب صاحب سيرته، فيقول ولم يظهر منه تأفف بمقال الشيخ، ولا تكبر عليه، ولا أعرض عنه، بل أحسن لقاءه، وقضى حوائجه، وأجزل عطاءه.

مقالات ذات صلة