بين تقدير الذات وإنكار الذات

بقلم : أشرف مصيلحي.
الحقيقة أنه لا تعارض بين تقدير الذات وإنكارها .. بل كلاهما ضابط لبعضهما . التقدير يضبط الإنكار والإنكار يضبط التقدير فلا يحصل الخلل.
إذ تقدير الذات : هو معرفتك لقيمة نفسك وأن تضعها حيث تستحق ولا تقبل الدونية أو المساواة في التقدير بمن دونك.. وبذلك تصنع لنفسك المكانة وتحفظ لها الكرامة.
وتتمثل أهمية تقدير الذات في : تحصيل سلامة الصحة النفسيّة ، من الثقة بالنفس والاعتزاز بهذه الثقة ، والشعور بالراحة والأمان ، والقدرة على تخطي المشكلات وحلها بشكل إيجابي وحكيم. ومن أهميته أيضا : تحقيق الاتزان النفسي في خاصة النفس. وتحقيق التوازن في دائرة علاقات المرء الإجتماعية ، واكتساب الخبرات نفسياً وعلمياً واجتماعياً ،
ومن أهميته : الحماس لتطوير الذات وتعلم الجديد، والتقدم نحو الأفضل باستمرار. والنجاح في العمل ، ومحبة الناس ، ونبذ المشاعر السلبية مثل الكراهيّة والحقد والحسد والغيرة المذمومة المتولدة عن الأنانية ، ونبذ السلبية المفرطة التي تعيق صاحبها عن النجاح والتفاعل مع مجتمعه بالمشاركات الإجتماعية الفعالة سواء مشاركات معنوية أو مادية كلْ بحسب طاقاته وقدراته.
إلا أن لعملية تقدير الذات معوقات ينبغي على المرء القوي التغلب عليها وتتمثل هذه المعوقات في : الأحوال الوجدانية: والتي نتجت عن حرمان المرء في صغره من الإهتمام والرعاية الكافية له.
كذلك تتمثل في : الشعور بالفراغ العاطفي أو الصدمات العاطفية، التي تفقده الثقة بالنفس لا أقول الثقة بالآخرين إذ غالب من يتحدثون عن انعدام الثقة في الآخرين هم في الحقيقة لا يثقون في أنفسهم ، إذ ليس من عاقل يفقد الثقة في كل من حوله لصدمة عاطفية أو صدمة وجدانية في واحد من الناس فليس كل الناس هذا الواحد ، فالحق أن نقول أنه فقد الثقة في نفسه وليس في الناس.
ومن المعوقات أيضاً : جلد الذات، وهو الإفراط في الإحساس بالذنب، بما يجعله يزدري نفسه على الدوام ويحتقرها ، وهذا الإفراط أو المبالغة في الإحساس بالذنب يؤدي به إلى الإحباط المستمر واليأس من رحمة الله تعالى ، فلا يخرج نفسه من حظيرة الكسل والخمول إلى النشاط والحيوية .
وهناك أيضاً معوقات ثقافية تتمثل في قلة خبرته المعرفية والعملية ومن ثمَّ افتقاره للغة الملائمة في التواصل مع الآخرين أو في التعامل مع أرباب النجاح والشخصيات المحترمة ذات الشأن والمكانة في المجتمع مما يضطره لمجالسة من هم دونه في الفكر والثقافة والخلق ليشعر نفسه بذاته إلا أنه في الحقيقة يدفن نفسه ويحقر ذاته أكثر.
وهناك أيضاً معوقات إقتصادية : تتمثل في مُقارنة المرء لوضعه الاقتصادي مع غيره، مما يجعله دائماً في حالة سخط ويُحرم الشعور بالرضا ، فيثبطه ذلك عن تطوير الذات بالعمل والنجاح ، أو على النقيض قد يلجأ إلى طرق غير مشروعة للارتقاء بمستواه الإقتصادي ظناً منه أن المكانات الإجتماعية يصنعها المال ، وخفي عنه أن المكانات الإجتماعية تُبني على الإحترام لذات الشخص وصفاته وعلمه وحكمته ومشاركاته الإجتماعية مثل إصلاح ذات البين ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف والسعي مع الإخوان في قضاء حوائجهم والوقفة مع الصديق في شدائده ونحوه ، هذا الإحترام وهذه المكانة تصنعها المواقف وليس المال ، وما فائدة المال إن لم يكن فيه نفع للناس فخير الناس أنفعهم للناس ، وأن الإحترام ومحبة الناس توفيق من الله تعالى ، فكم من فقير في الناس حاز قلوب العباد حتى غبطه أرباب الأموال في ذلك.
هذا وعملية تقدير الذات لها عوامل مثل انتقاءك لجلوسك ، معارفك ، وأصدقائك ؛ فلا تجالس من يقلل من قيمتك أو لا يقدر مكانتك ، أو تشاركهم في مثالبهم فتضع نفسك في سلة واحدة معهم ، فتنصبغ بصبغتهم في عينهم وفي عين الناس..
وهذا لا يتعارض مع التواضع المحمود لأن التواضع يسمح لكل إنسان ناجح بحسن معاملة كل أحد والمبادرة في مساعدة كل أحد ، بل ومشاركة كل أحد في الاجتماعيات من أفراح وأطراح لأننا في النهاية جميعنا إخوة في الدين في الوطن في الإنسانية ، لكن المقصود ليس صداقة كل أحد .
لأن المرء على دين خليله والطيور على أشكالها تقع.. والصداقة لها شكل ووضع خاص يختلف عن سائر أنواع العلاقات ودرجاتها في مكاناتها شكلاً ومضموناً.
هذا مع الحذر أن المبالغة في تقدير الذات قد تكون من أعراض النرجسية ومشكلة هذا المرض أن صاحبه لا يشعربه ، النرجسي لا يعرف أنه نرجسي لكن المقربين منه المحتكين به هم من يشعرون بها في تصرفاته التي تفضح صفاته .
فالمبالغة في تقدير الذات قد يؤدي إلى الغرور وقد تكون من أعراض النرجسية ، لذلك ما يضبط عملية تقدير الذات هو إنكار الذات في الوقت نفسه ..
وإنكار الذات : هو أن لا يؤثر فيك مدحاً لدرجة أن تغتر . وأن تتبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته وما توفيقي إلا بالله. فدائماً وأبداً تنسب الفضل إلى الله تعالى . فلا ترى لنفسك منة في معروف . وتقدم غيرك على نفسك في الإحتياج وهو ما يعرف بخلق الإيثار وهو أعلى مراتب الإحسان .
هنا في إنكارك انت نفسك لذاتك يقابله تقدير الناس لذاتك فترتقي في أعين الناس ومن فوقهم في عين الله جل جلاله. وهذه المقابلة مقابلة مكافأة وليس مقابلة تعارض أو تضاد.
فإذ فهمنا هذا المعنى فهمنا أن تقدير الذات يكون تقييمك أنت لنفسك وأن تضعها حيث تستحق بما يصنع مكانتك ويحفظ كرامتك ، وإنكار الذات أنك في نفس الوقت لا تنسب لنفسك فضلاً ولا تغتر بعلمك أو بمواهبك ولا تُعجب بنفسك وبعملك. فالعُجب من آفات الإخلاص.

مقال رائع بالتوفيق
بالتوفيق