مِن أغوار إفريقيا إلى الفوز بجائزة نوبل.


بقلم/ محمد كمال قريش
فجرت الأكاديمية الملكية السويدية مفاجأة مدوية بمنحها جائزة نوبل للأدب لعام 2021 لكاتب غير ذائع الصيت، ليكتب الكثير – وأنا منهم – اسمه في محركات البحث.. ليتعرفون عليه.
وُلد عبدالرزاق جرنة في جزيرة زنجبار التابعة لتنزانيا عام 1948. وفي عام 1963 قامت ثورة في بلاده ونتج عنها مجازر، ولجأ الكثير من السكان إلى بريطانيا، وكان عبدالرزاق من بينهم.
وصل بريطانيا وعمره 20 عامًا، ليبدأ مشواره الأدبي بعدها بعام واحد وباللغة الإنجليزية. وبالرغم من غربته، وتغيير لغة كتابته عن لغته الأم، غلبت على معظم بل جميع أعماله نزعته الوطنية أو الإفريقية أو الإنسانية، وسلط الضوء على الاستعمار في جميع صوره، وآثار ذلك على البلاد المستعمرة والسكان الأصليين لها، من طمس هويات وثقافات ولغات وتشريد، وما ينتج عنه من خلل في المجتمعات، وتناقض واضح بين ما تقوله الثقافات والحضارات المختلفة، وبين ما يحدث على أرض الواقع.
وربما فر جرنة من الاستعمار والثورات والحروب، ولجأ لأكبر قوة استعمارية عرفها العصر الحديث، لكنه ناضل وناضل على طريقته: بقلمه وشخوص رواياته وقصصه.
رأت الأكاديمية السويدية أنه يستحق الجائزة؛ نظرًا لمساهمته الأدبية البارزة، كونه تكلم بوضوح وصراحة وبساطة عن الاستعمار وعلاقته بالسكان الأصليين، وأنه رفض أية مساومة بين الاثنين، فحفظ للمستعمرات وشعوبها حقهم في أراضيهم، وللمستعمر حقه في الطرد والرفض والنبذ. فكان جرنة قلمًا باردًا وصفعة قوية على وجه القوى الاستعمارية والمؤسسات والمنظمات التي تدعو للسلام، ولكن باستسلام وخنوع ومراوغة.
أعماله: ذاكرة المغادرة (1987)، طريق الحج (1988)، دوتي (1990)، الجنة (1994)، الإعجاب بالصمت (1996)، عن طريق البحر (2001)، الهجر (2005)، الهدية الأخيرة (2011)، القلب الحصى (2017)، والحياة بعد الموت (2020).
يُذكر أن جرنة نشر أول رواية له وهو في عمر السابعة والثلاثين، وأن عمره الآن ثلاثة وسبعين عامًا. ويُذكر أيضًا أن قيمة الجائزة تساوي تقريبًا 1:14 مليون دولار.
على المستوى الشخصي أعتبر تلك الجائزة لجرنة – الأديب المسن غير الشهير والذي لم تُترجم أعماله بعد – بمثابة يد قوية تدفعني للأمام، وتجبرني على المضي قدمًا فيما أنا متردد بالسير فيه، وتخبرني أن لا أيأس، ولا أتعجل.. فإذا لم يحدث شيئًا في النهاية، فعلى الأقل سأكون فعلت الشيء الذي أحبه وأجد سكينتي فيه.