مقالات

لماذا لا يختار الطلبة العلوم الإنسانية والاجتماعية



بقلم: بوخالفة كريم _الجزائر🇩🇿
قرأت نقاشات مختلفة تطرقت لمسألة رغبة الطلبة المتفوقين في شهادة البكالوريا إلى دراسة تخصصات مثل الطب والصيدلة والعلوم التقنيةبخاصة، أما أصحاب المعدلات الضعيفة فيتم توجيههم إلى تخصصات مثل العلوم الإنسانية والاجتماعية.

في بداية الأمر، لابد أن نقف أولا عند كلمة “الرغبة” فمن يرغب في دراسة تخصص مهم لابد أن يحترم، لأنه على أساس الرغبة تقف جميع المسائل، فهناك حتى من الفلاسفة من قال: ولأنني إنسان يرغب فأنا موجود، وهناك من يعتقد بأن تسلسل ما حدث للبشرية منذ بداية الخلق كان مبني على الرغبة، فالرغبة هي أصل الصراع، وهي أصل الانتقام، ومنه جاء التوافق والبحث عن أضحية لوقف الصراع، إلى أن وصلت البشرية إلى أضحية بديلة، مثلما ما أشار إلى ذلك روني جرار في كتابه: العنف والمقدس.

إذا فرغبة أي طالب في دراسة أي تخصص لابد أن يحترم، وهذه النقطة هي خارج نقاشنا في هذا المقال.

نأتي إلى سؤال مهم آخر: لماذا يختار الطلبة تخصصات مثل الطب  والعلوم التقنية بخاصة ولا يرغبون في تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية؟.

في اعتقادي الإجابة عن هذا التساؤل المهم تكون من خلال إثراء هذه النقاط، وهذا الذي لم يتم التطرق إليه عند مختلف من ناقش هذا
التساؤل؟
1_.من الناحية التاريخية:
لو نعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي نجد أن أكثر ما علم منه الجزائريون هي الأمراض، حتى أن في سنوات معينة كان يتوفى للعائلات الجزائرية خاصة في ضواحي المدن أبناءهم في الشهور الأولى بعد الولادة. 
وكذا بين الجزائريين لم يكن في ذلك الوقت أطباء ولا صيادلة فكانت هذه المهن حلم، كما أنها كانت عقدة الأهالي بسبب عدم السماح لأبنائهم بالدراسة والتعلم، ويبقى من استطاع على التعلم في ذلك الوقت من الطبقة البورجوازية ووصل إلى رتبة طبيب قليل جدا.
كذلك سعت السياسة الاستعمارية في الجزائر الى ادماج المتفوقين في العلوم التقنية كالهندسة والطب واهمالها للعلوم الاجتماعية والانسانية كونها علوم نقدية تساهم في بناء الانسان وبناء المجتمعات ولكون هذا الامر لايساعد الاستعمار على البقاء لان العلوم الاجتماعية تنتج المناضل وتنتج المثقف العضوي وتنتج القائد القادر على اقامة ثورات فكرية من اجل التغيير وطرد الاستعمار.
2_ثقافة وافدة:
لو نتابع الأفلام التي كانت تبث على القناة الوطنية خاصة المسلسلات والأفلام المصرية يتداول فيها كثيرا صفة الدكتور، الباش مهندس، ولا نجد أبدا يوما في فيلم صيغة فيلسوف أو عالم اجتماع أو كاتب..وحتى عندما يحضر الفيلسوف في هذه الأفلام يقدم على أنه مختل عقليا أو شاذ عن طبيعة الناس العاديين، أي يربطونه بنقص معين من أجل رسم فكاهة في لقطات الأفلام.

3_الثورة الصناعية او التصنيع في الجزائر:
اهتمت الجزائر بعد الاستقلال مباشرة بثوراتها الثلاث وخاصة الثورة الصناعية، هي الثورة التي  كانت تتطلب مهندسين  ومسييرين وأهل تخصص، مما جعل الطلب على هذه التخصصات مطلب الطلبة، لأن نهاية المسار الجامعي هو وظيفة مضمونة في القطاع الصناعي.

4_ الرأس المال العائلي:
تلعب العائلة دورا كبيرا في توجيه أبنائهم إلى التخصصات التي يرون بأنهم لهم فيها مستقبل، وحتما سيكون الاختيار إذا كان المعدل يسمح هو الطب والصيدلة والرياضيات والفيزياء …عموما يختارون التخصص بربطه بنوع المهنة مستقبلا وكمية الدخل منها فالمهم هو كسب المال وليس الوعي.

5_ إهمال الدولة لتخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية:
بحيث أنه في هذه التخصصات لايوجد مناصب عمل عديدة ومختلفة تمس كل ميادين الحياة. فلو نلاحظ في الغرب مثلا في تخصص علم الاجتماع نجد بأنه متواجد في كل المؤسسات وبصيغة كبيرة وضرورية، ولهذا نجد هناك إقبال على هذه التخصصات لمن يرغب طبعا، فالعمل متوفر، وميادين هذا التخصص عديدة وعديدة جدا.

6_من المفروض بأن القيادة تصنع من خلال تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، إلا أنه في الحالة الجزائرية هذا غير صحيح، فرؤساء المؤسسات عموما تجد بأنهم لهم شهادات تقنية.

7- المدرسة الوطنية للإدارة:
وهي مدرسة تابعة للدولة إن صح هذا التعبير، فالنظام يخرج أبناءهم من هذه المدرسة، ولهذا كل المسؤوليات مثل الولاة والسفراء هم من خريجي هذه المدرسة ولا نكاد نجد من تخرج من جامعة عادية من شعب العلوم الاجتماعية أو الإنسانية.

8- الاحتقار المقصود لهذه التخصصات:
لو نتابع منذ المرحلة المتوسطة فيه توجه مقصود كاعتراف ضمني بالتخصص التقني والرياضي والعلوم الطبيعة والحياة وهناك قصد في احتقار تخصصات الآداب مثلا أو تخصصات أخرى، وذلك من خلال المعدلات، فأصحاب المعدلات الجيدة يوجهون للتقني والرياضي أما الضعيفة فيوجهون للتخصصات الأدبية وبالتالي بعد البكالوريا لا يجدون أمامهم غير تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية.

9-تخوف الدولة من تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية:
حسب رأيي هناك تخوف كبير من طرف الدولة من هذه التخصصات، وذلك بسبب رغبتها في إعادة إنتاج ما هو كائن، ولو كانت هناك نية صادقة اتجاه هذه التخصصات لوفرت مناصب الشغل في كل الميادين، ولوفّرت أجر معتبر لأصحاب هذه التخصصات، وهي تعلم لو فعلت هذا لاختار النجباء هذه التخصصات وعندها سيحدث التغيير في جل  المجالات.

10_الحقيقة التي يجب أن نعترف بها:
نحن نعيش الآن أزمة كبيرة، ومعالجتها يتطلب وقتا طويلا، فالمنظومة التعليمية الجامعية في الجزائر تخرج لنا  في الأخير  طبقتين حسب نوعية المهن نجباء وطاقات علمية يتحولون من خلال وظائفهم إلى رجال أعمال بسبب ما يعود عليهم ذلك من مدخول: مثل الصيدلة والطب ووو الخ . أما الطبقة الأخرى طبقة الوظيف العمومي فهم من أصحاب التخصصات الإنسانية والاجتماعية، هذا إن وجدوا منصبا شاغرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *