الدكروري يكتب عن إستشهاد حفظة القرآن الكريم

بقلم/ محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة أنه بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قد شُغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن الكريم قبل أن يدرك الموت، والشهادة بقية القراء والحفاظ، واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له ” إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه ” فقلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هو والله خير، وقال زيد بن ثابت، فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.
وقد نهض زيد بن ثابت بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، فكان يقابل ويعارض ويتحرى مكانه، وقال زيد بن ثابت كلمته المشهورة في جمع القرآن قال ” والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن ” وكما قال رضى الله عنه ” فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال” وأنجز المهمة وجمع القرآن الكريم في أكثر من مصحف، وفي خلافة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه، كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسا جددا عليه، فأصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن الكريم حتى بين الصحابة الأقدمين الأولين، فقرر عثمان بن عفان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف.
فقال عثمان رضى الله عنه، مَن أكتب الناس؟ فقالوا له كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن ثابت، فقال، فأي الناس أعرب؟ فقالوا له، سعيد بن العاص، وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان رضى الله عنه، فليُمل سعيد وليكتب زيد، واستنجدوا بالصحابى الجليل زيد بن ثابت، فجمع زيد بن ثابت أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت أم المؤمنين السيده حفصة بنت عمر رضى الله عنهما وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل، ولقد خرج الصحابى الجليل زيد بن ثابت مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه.
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يرجون أن يضمهم للمجاهدين، وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، شاكرا وكأنه يريد الاعتذار، ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا ” إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي ” فأذن له، وتقدم سمرة بن جندب وقال بعض أهله للرسول ” إن سمرة يصرع رافعا ” فحياه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأذن له، وكان وقتها قد بقي ستة من الأشبال وكان منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، وقد بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، ولكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد بن ثابت مع إخوانه دوره، كمقاتل في سبيل الله، بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة.
