العلاقات الإستراتيجية للسعودية كقوة إقليمية عربية وخليجية وشرق أوسطية


بقلم : يوحنا عزمي
من بين كل المسارات العربية والإقليمية والدولية التي تتحرك
فيها دول الخليج العربية الآن ، فان المسار السعودي يكاد يكون
هو الاقوي تاثيراً ، والاقدر علي ان يعطي مردودا ايجابيا كبيراً
في كافة الدوائر التي يتحرك فيها بثقل سياسي غير مسبوق.
وتشهد كافة الشواهد والمؤشرات بأن السعودية بدأت ، وبخطوات عملية مهمة ، تتحرر من تبعيتها للسياسة الأمريكية التي اعتادت التعامل معها وكأنها منطقة نفوذ خالصة لها ..
ومن ذلك رفضها لضغوط الإدارة الأمريكية الحالية عليها في موضوع التطبيع مع إسرائيل علي غرار ما فعلته إدارة الرئيس ترامب مع دولة الإمارات والبحرين ، وربطت اعترافها بإسرائيل
بحل القضية الفلسطينية وفق مقررات الشرعية الدولية ..
وكذلك رفضها المشروع الأمريكي لإقامة تحالف عسكري يجمع
بين دول الخليج وإسرائيل ضد ايران .. وذلك علي الرغم من الانتقادات السعودية للبرنامج النووي الإيراني لما قد يشكله من اخطار أمنية محتملة علي أمنها وأمن غيرها من دول المنطقة
إلا انها لم تقبل بفكرة التحالف مع أمريكا وإسرائيل ضد إيران
وهو ما ادي إلي إفشال هذا المشروع وإغلاق ملفه في مهده.
كما قاومت السعودية ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عليها لزيادة انتاجها من النفط وعدم الالتزام بقرارات منظمة اوبيك بلس وتمسكت بموقفها ودافعت عنه بثبات وإصرار ، وهو ما شكل تحديا لأمريكا له مغزاه ودلالاته ، وبصورة لم تكن واردة ولا متصورة في الماضي ، وقد كسبت السعودية الرهان وتراجعت الإدارة الأمريكية أمامها وتوقفت عن التصعيد معها لأنها في النهاية كانت هي التي ستخسر وليس السعودية.
وكذلك كان للسعودية موقفها المتوازن والمحسوب بدقة من أزمة الحرب الأوكرانية ، وكانت حريصة علي ألا تخسر علاقتها الوثيقة بروسيا والمستندة إلي قاعدة متنامية من المصالح الإقتصادية والسياسية المشتركة ..
حتي ان العلاقات السعودية الروسية لم تكن يوما افضل مما هي عليه الآن .. وهو تطور نوعي مهم بكل المقاييس بالنظر إلي نتائجه المستقبلية المتوقعة .. ولهذا لم تذهب في تعبيرها عن تعاطفها مع اوكرانيا ابعد من حد معين ، وهو ما قدره الرئيس الروسي بوتين لها واشاد به في اكثر من مناسبة ..
واما عن علاقتها المتنامية مع الصين ولقاءات القمة التي جمعت قادة البلدين في بكين والرياض تباعا، فانها اكثر ما يثير حنق إدارة بايدن ويسبب احراجا شديدا لها ولانه يحبط خططها لمنع دخول الصين بدور منافس لها في الشرق الأوسط ، والسعودية بسياستها الجديدة تفتح الباب علي مصراعيه امام الصين التي كان ردها. عليه وساطتها الناجحة بين السعودية. وايران والتي تكللت أمس بالنجاح بعقد هذا الاتفاق التاريخي بينهما والذي اذهل العالم ، وقلب توقعات ورهانات الامريكيين والاسرائيليين راسا علي عقب ،واجبرهما علي اعادة حساباتهما لقراراتهما بحربهما الوشيكة علي إيران.
وأخيراً ، نقول ان السعودبة تحت قيادة ولي العهد السعودي
تتحرك بثبات وبثقة كبيرة في أهمية دورها الذي يمكنها ان تلعبه كقوة إقليمية عربية وخليجية وشرق أوسطية ، مستندة في ذلك إلي قاعدة ضخمة ومؤثرة من القدرات الإقتصادية والمالية وكمنتج دولي كبير للطاقة ، ويكفي أنها احتلت هذا العام المركز الأول في معدلات النمو الاقتصادي من بين دول مجموعة العشرين ..
هذا فضلا عن استقرارها السياسي الداخلي ، وانفتاحها علي العالم الواسع من حولها برؤية تنموية وثقافية وحضارية جديدة بعد طول تقوقع وانغلاق ، وهو تقدم واعد ويبشر بالكثير إذا ما سلمت السعودية من تآمر الأمريكيين والإسرائيليين عليها كما فعلوا مع غيرها .. وتاريخ المنطقة حافل بالنماذج والحالات.