الدكروري يكتب عن الرسول يثأر لأصحابة بعد عامين


بقلم/ محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة عن غزوة بني لحيان الكثير والكثير، وقيل أنه قد خرج النبى صلى الله عليه وسلم، بجيشه من المدينة المنورة بعد أن استعمل عليها عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه في جيش قوامه مائتى مقاتل معهم عشرون فرسا صوب ديار بني لحيان والتي تبعد عن المدينة المنورة قرابة مائتي ميل، وقد عمد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في خروجه إلى مبدأ التضليل لإخفاء وجهته الحقيقية عن العيون التي تتربص بالمسلمين وتنقل أخبارهم للمشركين عن طريق التظاهر بالتوجه نحو الشمال للقتال هناك في بلاد الشام بينما تقطن قبيلة بني لحيان في الجنوب، حيث سار النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.
بجيشه نحو الشمال حتى وصل إلى منطقة يقال لها البتراء، ثم انعطف بهم نحو الجنوب قاصدا بني لِحيان، وعندما وصل الجيش إلى بطن غران حيث مساكن بني لِحْيان وهو واد بين أمج وعسفان، حيث غُدر بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، العشرة هناك وقتلوا، فأقام في هذا المكان يومين ودعا لأصحابه الشهداء بالرحمة والمغفرة، وشاءت الأقدار أن تكون عيون بني لحيان متيقظة لتحركات المسلمين فعلمت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، بجيشه صوبهم، وقد وصلت الأنباء من عيون بني لحيان المنتشرة بخبر قدوم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لقتالهم فما كان منهم إلا أن فرّوا إلى رؤوس الجبال، وعندما وصل المسلمون إلى ديارهم عسكروا فيها بعد أن وجدوها خاوية من المقاتلين.
فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، بالسرايا لتعقبهم على مدار يومين كاملين دون وجود أثر لأحد منهم، بسبب تحصنهم في أعالي الجبال، وكان من أبرز نتائج هذه الغزوة المعنوية هو إظهار وفاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لأصحابه فقد ثأر لاستشهادهم بعد مرور سنتين على حادثة الرجيع، وكذلك وفاء الصحابة لبعضهم البعض فقد ساروا مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، نحو ديار بني لحيان مسافة طويلة فيها من العناء والمشقة الكثير خاصة في ظل نقص الرواحل التي تحملهم، وإن من جوانب العظمة في شخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو أنه أعظم من أن يحاط بها، أو أن يتوقف إدراكها على عقل واحد، أو قلب واحد، ولذلك فإنك ترى أن كل من تشرف بالكتابة عن النبى صلى الله عليه وسلم.

في أي جانب من جوانب الروعة في سيرته الفريدة، ونهجه القويم، قد وُفق لوجه جديد لم يُكشف من قبل لآخر، وما ذلك إلا لغنى هذه الشخصية العظيمة بكل عظيم من جليل الصفات، ولا ريب أن مهمة كل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما هي تعليم أمته ودلالتهم على الخير، وإن من يقم بهذه المهمة من بعدهم إنما يتشرف بتقمص رداء الرسل الكرام، وخلافتهم في أجلّ مهنة وأشرفها، وهي إرشاد الناس وتعليمهم باليسر والسماحة، وليس بالعسف والقهر والإذلال، فقد قال صلى الله عليه وسلم “إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما وميسرا” رواه مسلم، وإنه شرف عظيم لكل من أدرج اسمه في قائمة المصلحين، وهو أن يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم في مهمته الجليلة.
ولكنه في الوقت ذاته تكليف عظيم أن يتأسى المسلم به صلى الله عليه وسلم، في خُلقه ومنهجه، فهو القدوة الذي كمّله الله سبحانه وتعالى ليكون أسوة حسنة لأمته، فيقول معاوية بن الحكم ” ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه” ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعظم معلم عرفته البشرية على الإطلاق، فلقد غيّر أمة بأكملها، وانتشلها من وهدة الحضيض إلى أن أصبح كل فرد منهم سيدا من سادات الدنيا.