اخبار عالمية

إبتزاز أميركا للسعودية لحمايتها من خطر إيران هو سيناريو علي غير حقيقته

الأعلامي يوحنا عزمي

بقلم : يوحنا عزمي

مع الدور الإيجابي المتوقع من إيران في إزالة التهديد الحوثي المتصاعد لأمن السعودية بوقف تزويدها للحوثيين بالصواريخ والمسيرات وبالتدريب علي استخدامها وغيرها من وسائل الدعم والاسناد في حرب الاستنزاف القاتلة التي يخوضونها ضد السعودية فإن السعودية تكون قد حققت باتفاقها الأخير مع إيران ما لم تقدر عليه بالتحالف العربي العسكري الذي قادته واخفق في حسم هذا النزاع المسلح الذي يخوضه الحوثيون بالوكالة عن إيران ، او في وضع نهاية لهذا التهديد الذي كان يمكن ان يستمر لاعوام طويلة قادمة ليكلف السعودية ما يخرج عن حدود قدرتها علي احتمال تبعاته وتداعياته ، وبهذا اختصرت الطريق علي نفسها ، وان جاء قرارها متأخراً عن وقته الذي كان يجب ان يحدث فيه ..

إلا ان الإنجاز المهم الآخر الذي خرجت به السعودية من اتفاقها الأخير مع إيران ، هو أنها وفرت علي نفسها التكاليف المالية الباهظة وبدرجة تجاوزت كل الحدود الواقعية والمنطقية التي كانت تدفعها للولايات المتحدة ، في عملية ابتزاز هائلة ومستمرة كثمن ولا اقول كرشوة لحمايتها من خطر إيران عليها.

فقد دفعت السعودية مئات المليارات من الدولارات لأمريكا في صفقات أسلحة وهمية ولا اثر لها في الواقع ولا جدوي منها ، وفات علي السعودية وغيرها من دول الخليج أنه كان من مصلحة أمريكا ان تبقي إيران الفزاعة التي تخيفهم بها لابتزازهم ونهب اموالهم ، حتي عرفوا أخيراً كم كان مغرراً بهم ومضحوكا عليهم من إدارات أمريكية طامعة في ثرواتهم ، وكان طريقها إليها واليهم هو المتاجرة بمخاوفهم الأمنية بتضخيم خطر إيران عليهم علي غير حقيقته ، ليستمر سيناريو النهب والابتزاز علي حاله.

وهنا اقول أنه لو تمكنت إيران علي الرغم من كل هذه الضغوط الدولية عليها من حيازة رادع نووي كما يزعمون ويروجون له في الغرب ، فإن أسلحة إيران النووية لن تشكل تهديداً أمنيا مهما لدول الخليج ، واقول أنه إذا كانت هناك دولة نووية واحدة في العالم ، حتي اكثرها تهوراً ككوريا الشمالية ، قد استخدمت اسلحتها النووية في نزاعاتها وحروبها المسلحة ، فإن هذا الإحتمال يصبح وارداً ايضا مع إيران ، وقد راينا كيف هدد الروس حلف الناتو بأسلحتهم النووية في بداية الحرب الأوكرانية ، ثم عادوا وسحبوا تهديدهم فضلا عن ان احداً لم يصدقهم او يأخذ تهديدهم علي محمل الجد.

وإذا كانت السعودية وغيرها من دول الخليج تتصور أنها تدفع لأمريكا كل تلك المليارات كثمن لحماية انظمتها الحاكمة ، فإنها تكون ايضا واهمة ، وما فعلته أمريكا في الماضي بتخليها عن حليفها الكبير في الخليج والشرق الأوسط ، شاه إيران محمد رضا بهلوي ، الذي كان يوصف بالشرطي الأمريكي في الخليج ، يبرهن علي وهم حماية امريكا لانظمة الحكم في اي مكان في العالم.

فقد كان من مصلحتها وقتها تمكين رجال الدين الشيعة من حكم إيران لتفجر بهم ومن خلالهم حروبا طائفية ساخنة واخري بالوكالة تتيح لأمريكا احكام قبضتها علي منطقة الشرق الأوسط وتعميق وجودها ومصالحها فيها ، وقد كان مع الحرب العراقية الإيرانية التي كانوا المحرضين عليها ووراء تفجيرها والابقاء عليها مشتعلة لثمانية اعوام متصلة تغير فيها شكل المنطقة تماما ..

وهذه هي طريقتهم في لعبة تغيير الأنظمة ، فلا ثوابت ولا مقدسات ولا محظورات ، وانما متغيرات ظروف وحسابات مصالح وأهداف إستراتيجية تتجاوز اشخاص الحكام .. ومن هنا يصبح الدفاع عن أمن السعودية القومي ، وعن سلامة واستقرار نظام الحكم فيها هو مسئولية السعودية نفسها قبل ان يكون مسئولية امريكا او غيرها .. وما فعلته أخيراً يؤشر بذلك.

وازيد كلامي وضوحاً عندما اقول أنه بالدعم الصيني والروسي المتزايد للسعودية ، وبتوسيع دوائر تحركاتها الدولية وخروجها
من الشرنقة الضيقة الخانقة التي طالما حبست نفسها فيها ، فإنه اصبح بإمكان السعودية الآن ان تتحدث إلي امريكا من مركز قوة وبثقة اكبر مما اعتادت ان تتعامل به مع حليفها الأمريكي من قبل فهي بهذا الإتفاق مع إيران عززت من قدرتها علي المساومة وتخفيف الطلبات والشروط الأمريكية كمقابل لحمايتها المشكوك فيها لها ..

واقول ان كل هذه المليارات الضائعة في حماية وهمية يمكن للسعودية توجيهها لأغراض التنمية الداخلية لصالح شعبها ..
فهو الأولي والاحق بها ، ولأن الحماية الحقيقية الموثوق فيها
هي بتحصين الداخل وتقوية مناعته ضد الاختراق الخارجي
ولن يكون ذلك إلا بالتنمية والكفاية وبحسن استخدام الموارد وتوظيف الطاقات والقدرات ، فهذا هو خط الدفاع الأول عن الأمن القومي للدول لمن يحاول ان يفهم.

وارجوا أن تكون السعودية قد وجدت طريقها السليم إلي ما تريده بإرادتها الحرة وبقراراتها الذاتية المستقلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *